صفحه ٤٩١

بِالْقَوَادِحِ، وَأَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ، وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ، وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ، وَأَعَانَتْ عَلَیْهِمْ «رَیْبَ الْمَنُونِ». فَقَدْ رَأَیْتُمْ تَنَکُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا، وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إلَیْهَا، حِینَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الْأَبَدِ. وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ، أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إلاَّ الضَّنْکَ، أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إلاَّ الظُّلْمَةَ، أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ! أَفَهذِهِ تُوْثِرُونَ، أَمْ إلَیْهَا تَطْمَئِنُّونَ، أَمْ عَلَیْهَا تَحْرِصُونَ؟ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمنْ لَمْ یَتَّهِمْهَا، وَلَمْ یَکُنْ فِیهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا!
بخش پنجم صفحه 515
فَاعْلَمُوا ـ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ـ بِأَنَّکُمْ تَارِکُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا، وَاتَّعِظُوا فِیهَا بِالَّذِینَ قَالُوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً): حُمِلُوا إلَى قُبُورِهِمْ فَلا یُدْعَوْنَ رُکْبَاناً، وَأُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ فَلا یُدْعَوْنَ ضِیفَاناً، وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِیحِ أَجْنَانٌ، وَمِنَ التُّرَابِ أَکْفَانٌ، وَمِنَ الرُّفَاتِ جِیرَانٌ، فَهُمْ جِیرَةٌ لا یُجِیبُونَ دَاعِیاً، وَلا یَمْنَعُونَ ضَیْماً، وَلا یُبَالُونَ مَنْدَبَةً. إِنْ جِیدُوا لَمْ یَفْرَحُوا، وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ یَقْنَطُوا. جَمِیعٌ وَهُمْ آحَادٌ، وَجِیرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ. مُتَدَانُونَ لایَتَزَاوَرُونَ، وَقَرِیبُونَ لایَتَقَارَبُونَ. حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ، وَجُهَلاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُم. لایُخْشَى فَجْعُهُمْ، وَلا یُرْجَى دَفْعُهُمْ، اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً، وَبِالسَّعَةِ ضِیقاً، وَبِالْأَهْلِ غُرْبَةً، وَبِالنُّورِ ظُلْمَةً، فَجَاوُوهَا کَمَا فَارَقُوهَا، حُفَاةً عُرَاةً، قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إلَى الْحَیَاةِ الدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِیَةِ، کَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (کَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِیدُهُ، وَعْداً عَلَیْنَا، إنَّا کُنَّا فَاعِلِینَ).