صفحه ٣٣٤

فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وَ تَجَلْبَبَ الْخَوْفَ؛ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِی قَلْبِهِ، وَ أَعَدَّ الْقِرَى لِیَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِیدَ، وَ هَوَّنَ الشَّدِیدَ. نَظَرَ فَأَبْصَرَ [فأَقصر]، وَ ذَکَرَ فَاسْتَکْثَرَ، وَ ارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ، فَشَرِبَ نَهَلًا، وَ سَلَکَ سَبِیلًا جَدَداً. قَدْ خَلَعَ سَرَابِیلَ الشَّهَوَاتِ، وَ تَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ، إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى، وَ مُشَارَکَةِ أَهْلِ الْهَوَى، وَ صَارَ مِنْ مَفَاتِیحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، وَ مَغَالِیقِ أَبْوَابِ الرَّدَى. قَدْ أَبْصَرَ طَرِیقَهُ، وَ سَلَکَ سَبِیلَهُ، وَ عَرَفَ مَنَارَهُ، وَ قَطَعَ غِمَارَهُ، وَ اسْتَمْسَکَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، وَ مِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، فَهُوَ مِنَ الْیَقِینِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ.

بخش دوم صفحه 349
قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ - فِی أَرْفَعِ الْأُمُورِ، مِنْ إِصْدَارِ کُلِّ وَارِدٍ عَلَیْهِ، وَ تَصْیِیرِ کُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ، مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ، کَشَّافُ‏ عَشَوَاتٍ [غشوات] مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ، دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ، دَلِیلُ فَلَوَاتٍ، یَقُولُ فَیُفْهِمُ، وَ یَسْکُتُ فَیَسْلَمُ، قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِینِهِ، وَ أَوْتَادِ أَرْضِهِ. قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ، فَکَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْیُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ، یَصِفُ الْحَقَّ وَ یَعْمَلُ بِهِ، لَا یَدَعُ لِلْخَیْرِ غَایَةً إِلَّا أَمَّهَا، وَ لَا مَظِنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا، قَدْ أَمْکَنَ الْکِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ، فَهُوَ قَائِدُهُ وَ إِمَامُهُ، یَحُلُّ حَیْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ، وَ یَنْزِلُ حَیْثُ کَانَ مَنْزِلُهُ‏.
بخش سوم صفحه 359
وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَیْسَ بِهِ، فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ، وَ أَضَالِیلَ مِنْ ضُلَّالٍ، وَ نَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاکاً مِنْ حَبَائِلِ [حبال] غُرُورٍ وَ قَوْلِ زُورٍ؛ قَدْ حَمَلَ الْکِتَابَ عَلَى آرَائِهِ [رأیه] وَ عَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ، یُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ، وَ یُهَوِّنُ کَبِیرَ الْجَرَائِمِ، یَقُولُ: أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ، وَ فِیهَا وَقَعَ، وَ یَقُولُ: أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ، وَ بَیْنَهَا اضْطَجَعَ، فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ، وَ الْقَلْبُ قَلْبُ